اخبار السعودية

صفقة القرن الجديدة بالسعودية: كيف انتزع ولي العهد من ترامب المقاتلات والرقائق من امريكا وما لم يُكشف بعد؟

صفقة القرن الجديدة بالسعودية

قبل أعوام قليلة فقط، كانت العلاقات الأميركية–السعودية تمرّ بواحدة من أكثر مراحلها توتراً، بعدما لوّحت واشنطن بإعادة النظر في شراكتها التقليدية مع الرياض. لكن مشهد دخول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى المكتب البيضاوي هذا الأسبوع كشف عن تحولٍ جذري في مسار العلاقة، وعن عودة قوية للدور السعودي في قلب السياسة الأميركية.

فبينما كانت إدارة بايدن تتحدث عن “نبذ” الرياض وتجميد صفقات السلاح، جاءت إدارة ترامب لترسم واقعاً مختلفاً تماماً، يضع السعودية في موقع الشريك الاستراتيجي الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

هذه العودة اللافتة إلى مركز النفوذ في واشنطن لم تأتِ من فراغ، بل جاءت نتيجة سلسلة تحولات إقليمية ودولية، واستراتيجية سعودية جديدة نجحت في استثمار تنافس القوى الكبرى لصالحها، لتحصل على ما وصفه كثيرون بأنه “أكثر مكاسب الرياض جرأة في عقود”.

صفقة القرن الجديدة بالسعودية

قبل ثلاث سنوات فقط، كانت واشنطن تعيد تقييم علاقتها مع المملكة العربية السعودية بشكل علني، بعدما أعلن الرئيس الأميركي السابق جو بايدن أنه سيجعل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان “منبوذا”، ووضعت إدارته مبيعات الأسلحة للرياض تحت المراجعة رغم كونها أحد أهم شركاء أميركا العسكريين.

لكن المشهد تغيّر بالكامل هذا الأسبوع. فولي العهد دخل المكتب البيضاوي ليجد واقعاً مختلفاً تماماً، حيث دافع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عنه بقوة، حتى إنه وبّخ مراسلة صحفية لأنها – على حد وصفه – “أحرجت ضيفنا” حين سألته عن مقتل الكاتب جمال خاشقجي.

ووراء هذا المشهد الاستعراضي، تكشف إعلانات الإدارة الأميركية أن ولي العهد حصل على عملية “إعادة تأهيل سياسية” غير مسبوقة في واشنطن، وأن ترامب مستعد لتجاوز ملف خاشقجي مقابل تعزيز العلاقات مع دولة تتعهد باستثمارات تقارب تريليون دولار داخل الولايات المتحدة، وتحتفظ بعلاقات تجارية مع عائلة ترامب ذاتها.

زيارة الأمير محمد بن سلمان أظهرت كذلك صعود نفوذه وقدرته على استثمار تنافس القوى الكبرى لصالح السعودية. وربما كان أهم ما حققه هو إقناع ترامب بالتخلي عن الشرط الأميركي التقليدي المتعلق بالتطبيع الكامل مع إسرائيل قبل توقيع أي اتفاقيات دفاعية أو اقتصادية كبيرة مع الرياض.

ويعد هذا التحول تنازلاً لافتاً عمّا كانت تصر عليه إدارة بايدن العام الماضي، حين ربطت التقدم في الاتفاق الأمني والتجاري مع السعودية بتقدم ثلاثي يشمل التطبيع مع إسرائيل والتزاماً واضحاً من الأخيرة بمسار يقود إلى دولة فلسطينية. ومع رفض إسرائيل لهذه الخطوة وامتناع الرياض عن تقديم تنازلات، انهار هذا الإطار بالكامل.

لكن إدارة ترامب فككت هذه الشروط، ومنحت السعودية معظم ما سعت إليه على مدى سنوات، سواء في الدفاع أو الاقتصاد أو الأمن الإقليمي. فقد أعلنت واشنطن تصنيف السعودية كحليف رئيسي من خارج الناتو، ووافقت على بيع طائرات F-35 بميزات قريبة من تلك المستخدمة لدى إسرائيل، ووقعت اتفاقية دفاع استراتيجي جديدة.

وفي إطار رؤية السعودية لإعادة بناء اقتصادها بعيداً عن النفط، دشّن البلدان شراكة واسعة في الذكاء الاصطناعي، شملت الموافقة على بيع الرقائق الإلكترونية المتقدمة للمملكة، إضافة إلى توقيع اتفاقية معادن استراتيجية وفتح الباب أمام توسيع التعاون في الطاقة النووية.

كما استجاب ترامب للطلبات الإقليمية لولي العهد، وخاصة دعمه في جهود إنهاء الحرب الأهلية في السودان، ضمن مسعى سعودي لإعادة تشكيل منظومة الأمن في الشرق الأوسط.

وخلال لقائهما في المكتب البيضاوي، وصف الأمير محمد بن سلمان هذه الاتفاقيات بأنها تمثل “لحظة بالغة الأهمية” في تاريخ العلاقات بين البلدين.

ماذا لم تحصل عليه السعودية؟

ورغم المكاسب الكبيرة، بقيت هناك نقطتان لم تحصل عليهما الرياض: السماح بتخصيب اليورانيوم محلياً ضمن برنامجها النووي المدني، وتقديم التزام دفاعي أميركي رسمي على غرار حماية الناتو لحلفائه.

فالولايات المتحدة تتردد منذ سنوات في دعم أي برنامج نووي سعودي يشمل التخصيب داخل المملكة، نظراً لإمكانية استخدامه في إنتاج مواد يمكن تحويلها إلى أسلحة نووية. وبحسب تصريحات وزير الطاقة الأميركي كريس رايت، فإن الاتفاق الحالي لا يتضمن تخصيباً محلياً. ومع ذلك، تؤكد الرياض أنها لا ترغب في التخلي عن هذا الحق، مستشهدة بامتلاكها رواسب يورانيوم ضخمة.

أما على مستوى الأمن، فبينما حصلت قطر سابقاً على أقوى التزام دفاعي أميركي لدولة عربية، ما زالت السعودية تبحث عن تعهد مشابه، بل وأكثر دواماً بحيث يستمر بعد إدارة ترامب، وهو ما يتطلب موافقة الكونغرس. غير أن بيان البيت الأبيض لم يشر إلى أي التزام دفاعي مباشر للمملكة.

ويقول الخبير الأميركي آرون ديفيد ميلر إن الأمير محمد بن سلمان يسعى إلى التزام دفاعي يُقره الكونغرس شبيه بالمادة الخامسة في حلف الناتو، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة لم تقدم مثل هذا التعهد منذ معاهدتها مع اليابان عام 1960.

على الجانب الآخر، تواصل السعودية إرسال إشارات بأنها ستبحث عن بدائل أمنية أخرى إذا لم تعزز واشنطن التزامها. فقد توسعت علاقاتها مع الصين، وبلغت ذروتها في اتفاق المصالحة مع إيران في بكين عام 2023، كما عملت الرياض مؤخراً على تعزيز تعاونها العسكري مع باكستان، الدولة النووية الحليفة.

هذه التحركات لم تمر مرور الكرام في واشنطن، حيث اعتبر سياسيون أميركيون أن تعميق الشراكة الدفاعية مع السعودية خطوة مهمة لإبعاد الرياض عن الصين وتعزيز مسار التطبيع بعد “مرحلة ما بعد غزة”.

وتشير تحليلات مراكز الأبحاث الأميركية إلى أن العلاقة الأميركية–السعودية اليوم مدفوعة بشكل أساسي بتنافس القوى الكبرى، وليس بملف التطبيع وحده. وتؤكد هذه التحليلات أن السعودية أصبحت لاعباً محورياً في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، وأن التقارب الاستراتيجي بين البلدين سيستمر في الاعتماد على الدور الذي يمكن أن تؤديه المملكة في القطاعات الحساسة مثل أشباه الموصلات والمعادن والطاقة النووية.

أما ترامب، فأكد أنه تلقى “رداً إيجابياً” من الأمير محمد بن سلمان بشأن التطبيع مع إسرائيل، لكنه امتنع عن وصفه بأنه “التزام”، في إشارة إلى أن السعودية قد لا تكون مستعدة في المرحلة الحالية لتقديم خطوات أكبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى